رواية "البحث عن عازار" للكاتب والمترجم نزار آغري. عمل روائي رائق يشبه مقطوعة موسيقية طويلة وحالمة عن الصبا والبحث عن زمن البراءة من خ ...
رواية "البحث عن عازار" للكاتب والمترجم نزار آغري. عمل روائي رائق يشبه مقطوعة موسيقية طويلة وحالمة عن الصبا والبحث عن زمن البراءة من خلال قصة صداقة جمعت بين صبيين في مدينة سورية قرب الحدود التركية ومتاخمة لجبل "طوروس"، هي مدينة "القامشلي". تتجاوزقصة الصداقة تلك الزمان والمكان وترتقي إلى مقامات روحانية أعلى. وترسم لنا الرواية حياة وملامح مدينة بأكملها، على الحدود بين سوريا وتركيا، حيث تختلط الأديان والعرقيات والأفكار، وتتجاور الثقافات وتمتزج الطقوس والأعياد بالأساطير.
عالم الرواية:
تنقسم الرواية إلى قسمين طويلين وقسم ثالث أخير وقصير. في القسم الأول نتعرف على قصة الصداقة بين الصبيين "عيد كوري" و"عازار ناحوم عزرا"، ونتجول معهما في مدينة " القامشلي" التي تزدحم بالأعراق والديانات والجنسيات، مدينة الصبا المفقود. ومن خلال عيني الفتى "عيد كوري"، الإيزيدي القادم من قرية "عامودا" والشغوف بالقراءة والمعرفة، الحالم بالحب والصداقة-عيون صبي تطالع العالم ببراءة ودهشة قبل أن تصطدم بالمعتقدات والأيدولوجيات وكل ما من شأنه أن يفرق بين بني الإنسان، ويصنفهم في خانات- نعيش نوستالجيا المدينة حين تسطع شمس"عازار" عليها، وحين يجد نفسه مجذوبًا لصاحب الوجه الملائكي والروح الشفافة. ومع نمو صداقتهما يقدم لنا الكاتب المدينة – القامشلي- بأسواقها وشوارعها وسينماها وملاعبها، في مشاهد مرسومة برقة وعناية، وعبر لغة بسيطة وناعمة، نتعرف على: زملاء الدراسة، الجيران في بيت "صومي"، مكتبات المدينة، محل "أبي خالد"، والمعلمين في المدرسة. وندخل معه بوجل ورغبة بيت صديقه ومصطفاه " عازار"، نقع في حب أسرة الفتى الملائكي، ونتنسم عطر أخته "إيفون" الرقيقة أمام "الباب الأزرق"، والأم الوديعة، والأب "عزرا" حامل الحكايات. نعيش مع عيد حلاوة الحب الأول، ونغرم بالأفلام ونستمع للأغنيات التي شكلت وجدان جيل كامل، ونتمشى بجوار نهر "جغجغ" ونزور قريته، نشارك أهله طعامهم وأفراحهم وأساطيرهم، نلهو مع زملاء الدراسة ونتشاقى هاربين من المدرسة، ونتعرف على أول الحب والجنس والدين ، أول الكتب والقصص والأفلام، ونعيش صبانا مرة أخرى قبل أن نفقد عازار.
في القسم الثاني من الرواية، ترتفع نغمة الشجن الشفيف والنداء الملتاع على البراءة المفقودة بعد رحيل "عازار"؛ وتصبح حياة الراوي وذكرياته وآماله كلها أغنية شجية ورقصة متكررة بحثًا عن شمسه ومدينته وصباه، بحثا عن عازار. نرتجل مع "عيد" إلى حلب وبيروت والنرويج،ونعايش حكاياته الجديدة مع الأصدقاء والشعراء والمناضلين الفلسطينيين، حيث يجاور الكاتب بين مشاهد من رحلة حياته ودراساته وسفره وعلاقاته بالبشر والتنظيمات السياسية وبين الأغاني والأشعار والترانيم في حب فتى صباه الأول "عازار"، إلى أن يلتقيا في نهاية القسم الثالث والأخير من الرواية بعد مرور أكثر من أربعين سنة من الحلم والبحث والأسى.
"البحث عن عازار" رواية حكي وغناء ونوستالجيا مدينة وزمن حالم، ورحلة حياة كاملة، تتسم بلغة ناعمة ونبرة هادئة، وتعتمد على الوصف الرائق لأماكن الأحداث، سواء في سوريا أوبيروت أو النرويج، وحتى في القرى الفقيرة والصغيرة على أطراف المدن، كما تركز على المشهد البصري بالتوازي مع الاستبطان الداخلي للنفس ولواعجها، في شكل روائي أقرب إلى "رواية التنشئة" المشهورة في الأدب الألماني، ودون إسراف لغوي أوتغريب، استخدم الكاتب لغة بسيطة ودالة ومشحونة رغم ذلك بعاطفية ورؤية إنسانية راقية. أنتجت تلك الرؤية أسلوبًا وشكلا فنيًا متناغمًا (قصة/لغة) يصل إلى عقل القارئ بسلاسة ويلامس وجدانه برقة.
We are using technologies like Cookies and process personal data like the IP-address or browser information in order to personalize the content that you see. This helps us to show you more relevant products and improves your experience. we are herewith asking for your permission to use this technologies.